فصل: الأحكام الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الأحكام الشرعية:

.الحكم الأول: ما هو الأذان الذي يجب السعي عنده؟

دل قوله تعالى: {إذا نودي للصلاوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع} على وجوب السعي إلى المسجد، وترك البيع والشراء، وقد اختلف العلماء في الأذان الذي يجب السعي عنده.
1- قال بعض العلماء: المراد به الأذان الأول الذي هو على (المنارة).
2- وقال آخرون: المراد به الأذان الذي بين يدي الخطيب إذا صعد الإمام المنبر.
حجة الفريق الأول:
أ- أن المراد من النداء هو الإعلام، والسعي إنما يجب عند الإعلام، وهو (الأذان الأول) على المنارة، الذي زاده عثمان رضي الله عنه، وذلك حين رأى كثرة الناس، وتباعد مساكنهم عن المسجد، فأمر بالتأذين الأول على دار له بالسوق، يقال لها (الزوراء) وقد ثبت الأمر على ذلك من عهده إلى عصرنا هذا.
ب- واستدلوا بما رواه البخاري في (صحيحه) عن (السائب بن يزيد) رضي الله عنه أنه قال: (كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر رضي الله عنهما، فلما كان زمن عثمان رضي الله عنه وكثر الناس، زاد النداء الثالث على الزوراء فثبت الأمر على ذلك).
ج- وقالوا: السعي عند الأذان الثاني، وقت صعود الخطيب المنبر، يفوت على الناس سماع الخطبة التي من أجلها خفف الله تعالى الصلاة فجعلها ركعتين، ولم تكن بالمسلمين حاجة إلى هذا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لقرب مساكنهم من المسجد، ولحرصهم الشديد على أن بجيئوا من أول الوقت محافظة على أخذ الأحكام عن الرسول صلى الله عليه وسلم فكان النداء الذي بين يدي الخطيب يسمعهم فيحضرون سراعا، ويدركون الخطبة من أولها لقرب المساكن من المسجد.
وهذا القول هو الظاهر المعتمد في مذهب الحنفية، وقد نص عليه صاحب (الكنز) من أئمة فقهاء الحنفية فقال: ويجب السعي وترك البيع بالأذان الأول لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاوة} الآية وإنما اعتبر لحصول الإعلام به، وهذا القول هو الصحيح في المذهب.
وقيل: العبرة للأذان الثاني، الذي يكون بين يدي الخطيب على المنبر، لأنه لم يكن في زمنه صلى الله عليه وسلم إلا هو- وهو ضعيف- لأنه لو اعتبر في وجوب السعي لم يتمكن من السنة القبلية، ومن الاستمتاع، بل ربما يخشى عليه فوات الجمعة انتهى.
حجة الفريق الثاني:
أ- الأذان الذي يجب فيه السعي وترك البيع، هو (الأذان الثاني) الذي يكون بين يدي الخطيب، لأنه هو الأذان الذي كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وهو عليه السلام أحرص الناس على أن يؤدي المؤمنون الواجب عليهم في وقته، فلو كان السعي واجبا قبل ذلك لبينه لهم، ولجعل بين الأذان والخطبة زمنا يتسع لحضور الناس.
ب- ما روي عن ابن عمر والحسن في قوله تعالى: {إذا نودي للصلاوة من يوم الجمعة} قالا: إذا خرج الإمام وأذن المؤذن فقد نودي للصلاة.
قالوا: وهو التفسير المأثور فلا عبرة بغيره.
ج- وقالوا أيضا: إن المصلي يندب له أن يجيء مبكرا لفوائد جمة كما دلت على ذلك الأحاديث الكثيرة، ولكن تحريم البيع والشراء والحكم بالإثم شيء، وإدراك الأمر المندوب شيء آخر.
ثم إن السنة القبلية- على فرض أنها بقيت مطلوبة في الجمعة- فإنه لا يمكننا أن نوجب السعي قبل وقته لتحصيل سنة لم تثبت، فيبقى النداء الذي يحرم عنده البيع هو (النداء الثاني) الذي يكون عند صعود المنبر، وهو الذي كان في زمنه عليه السلام.
وهذا المذهب هو رأي جمهور العلماء، وقول عند فقهاء الحنفية، ولعله يكون الأرجح والله تعالى أعلم.

.الحكم الثاني: هل يفسخ البيع عند الآذان؟

دل قوله تعالى: {وذروا البيع} على حرمة البيع والشراء وسائر المعاملات عند الأذان، وقد اختلف العلماء في عقد البيع هل هو صحيح أم فاسد؟
فقال بعضهم إنه فاسد لورود النهي {وذروا البيع}.
وقال الأكثرون إنه حرام ولكنه غير فاسد وهو يشبه الصلاة في الأرض المغصوبة تصح مع الكراهة.
قال القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن): وفي وقت التحريم قولان:
الأول: أنه من بعد الزوال إلى الفراغ من الصلاة. قاله الضحاك، والحسن، وعطاء.
الثاني: من وقت أذان الخطبة إلى وقت الصلاة، قاله الشافعي.
قال: ومذهب مالك: أن يترك البيع إذا نودي للصلاة، ويفسخ عنده ما وقع من البيع في ذلك الوقت، ولا يفسخ العتق، والنكاح، والطلاق وغيره، إذا ليس من عادة الناس الاشتغال به كاشتغالهم بالبيع، قالوا: وكذلك الشركة والهبة والصدقة نادر لا يفسخ.
قال ابن العربي: والصحيح فسخ الجميع، لأن البيع إنما منع منه للاشتغال به، فكل أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعا. مفسوخ ردعا.
ورأى بعض العلماء البيع في الوقت المذكور جائزا، وتأول النهي عنه ندبا، واستدل بقوله تعالى: {ذلكم خير لكم}، وهذا مذهب الشافعي فإن البيع عنده ينعقد ولا يفسخ.
وقال الزمخشري في تفسيره: إن عامة العلماء على أن ذلك لا يؤدي إلى فساد البيع، قالوا: لأن البيع لم يحرم لعينه، ولكن لما فيه من الذهول عن الواجب، فهو كالصلاة في الأرض المغصوبة، والثوب المغصوب، والوضوء بماء مغصوب، وعن بعض الناس أنه فاسد.
قال القرطبي: والصحيح فساده، وفسخه، لقوله عليه الصلاة والسلام: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود، والله أعلم.

.الحكم الثالث: هل الخطبة شرط لصحة الجمعة؟

دل قوله تعالى: {فاسعوا إلى ذكر الله} على أن الخطبة شرط لصحة صلاة الجمعة، لأن ذكر الله سواء قلنا إنه: (الموعظة) أو إنه (الموعظة والصلاة معا) يدخل فيه خطبة الجمعة، فلابد أن تكون شرطا لصحة الصلاة. ولأن صلاة الجمعة إنما خففت من أجل الخطبة وسماع الموعظة، وعليه تكون الخطبة واجبة، وهذا مذهب جمهور الفقهاء.
غير أن فقهاء الحنفية قالوا: لا يشترط في الخطبة أن تكون مشتملة على ما يسمى (خطبة) عرفا، لأن الله تعالى ذكر الذكر من غير تفصيل بين كونه طويلا، أو قصيرا، يسمى خطبة أو لا يسمى خطبة، فكان الشرط هو الذكر مطلقا، ويكفي فيه أقل ما يطلق عليه اسم الذكر، غير أن المأثور عنه صلى الله عليه وسلم هو الذكر المسمى بـ: (الخطبة) والمواظبة عليه فكان ذلك واجبا أو سنة، لا أنه الشرط الذي لا يجزئ غيره.
وفقهاء الشافعية والحنابلة: يشترطون أن يأتي الخطيب بخطبتين مستوفيتين لشروط خاصة منها: حمد الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة آية من كتاب الله تعالى، والوصية بتقوى الله تعالى.
وزاد الشافعية الدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
وفقهاء المالكية: شرطوا في الخطبة شرطا واحدا وهي أن تكون مشتملة على تحذير أو تبشير مما يسمى في العرف موعظة وخطبة.
قال في (الروضة الندية): ثم اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله عليه وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم، فهذا في الحقيقة روح الخطبة الذي لأجله شرعت، وأما اشتراط الحمد لله، أو الصلاة على رسوله، أو قراءة شيء من القرآن، فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة، واتفاق مثل ذلك في خطبته صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه مقصود متحتم، وشرط لازم.
ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عرف العرب المستمر أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاما، ويقول مقالا، شرع بالثناء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم- وما أحسن هذا وأولاه- ولكن ليس هو المقصود، بل المقصود ما بعده، ولو قال: إن من قام في محفل من المحافل خطيبا، ليس له باعث على ذلك إلا أن يصدر منه الحمد، والصلاة، لما كان هذا مقبولا بل كل طبع سليم يمجه ويرده، إذا تقرر هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث، فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع إلا أنه قدم الثناء على الله وعلى رسوله، أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتم وأحسن.

.الحكم الرابع: ما هو العدد الذي تنعقد به الجمعة؟

لا خلاف بين الفقهاء أن الجماعة شرط من شروط صحة الجمعة، لقوله عليه السلام: «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة، إلا أربعة: مملوك، أو امرأة، أو صبي، أو مريض».
ولأن التسمية تقتضي ذلك، فلا يقال لمن صلى وحده إنه صلى الجمعة. فلابد من الجماعة، وقد اختلفوا في العدد الذي تنعقد به الجمعة إلى خمسة عشر قولا ذكرها الحافظ في (الفتح).
والآية الكريمة لم تنص على عدد معين، وكذلك السنة المطهرة لم يرد فيها نص صريح صحيح على العدد الذي تنعقد به، ولهذا اختلف الفقهاء على أقوال عديدة:
أ- الحنفية قالوا: يكفي أربعة أحدهم الإمام، وقيل: ثلاثة.
ب- الشافعية والحنابلة قالوا: لابد من جمع غفير أقله أربعون.
ج- المالكية قالوا: لا يشترط عدد معين بل تشترط جماعة تسكن بهم قرية، ويقع بينهم البيع، ولا تنعقد بالثلاثة والأربعة ونحوهم.
قال الحافظ ابن حجر: ولعل هذا المذهب أرجح المذاهب من حيث الدليل.
وهناك أحكام أخرى تطلب من كتب الفروع ضربنا صفحا عنها لأن الآية الكريمة لا تدل عليها والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

أولا: الجمعة فريضة على المسلمين المكلفين بالشروط المعروفة.
ثانيا: وجوب السعي للاستماع إلى الخطبة وأداء فريضة الجمعة.
ثالثا: حرمة البيع والشراء وسائر المعاملات عند الأذان.
رابعا: جواز الاشتغال بأمور التجارة والمعاش قبل الصلاة وبعدها.
خامسا: الرزق بيد الله ومع ذلك ينبغي أن يأخذ الإنسان بأسباب الكسب.
سادسا: لا ينبغي للمؤمن أن تشغله تجارة الدنيا عن تجارة الآخرة.

.خاتمة البحث:

حكمة التشريع:
الصلاة صلة العبد بربه، وعبادة تشد القلب، وتقوي الإيمان فيه، وهي إلى جانب هذا تزيد المجتمع ترابطا وتآلفا، يلتقي فيها أفراده على الخير، ويتعاونون على البر والتقوى، وإذا كانت الصلوات الخمس في كل يوم وليلة مفروضة فقد يشغل المرء عن بعضها في شغله الدنيوي الذي يبعده عن المسجد، أو يتساهل في عدم المجيء إليها، لذلك فقد فرض الله صلاة الجمعة في كل أسبوع مرة واحدة ليسرع إلى الصلاة يستمع إلى كلام الله وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم وموعظة الخطيب، فيكون له زادا إيمانيا، ويجتمع بإخوانه المؤمنين جميعا، فيتفقد الغائب، ويعين المحتاج، ويعود المريض، ويصالح المتخاصمين، ويبذل نصحه للمقصرين... كما يتعلم الآداب الإسلامية في الاجتماع من السلام، والاحترام، والبشاشة التي تجعل المجتمع في سلام وأمان، لهذا كله فرض الله سبحانه صلاة الجمعة على كل مسلم، وأمره أن يسعى إليها، وحثه على أدائها. اهـ.